نحن جميعًا معنيون بقضية الصمم في بلد لم يرَ فيه البرنامج الوطني للصمم النور بعد.
الصمم هو إعاقة غير مرئية، والتي بسبب عدم توفر وسائل التشخيص المناسبة، لا يمكن كشفها إلا بعد ظهور آثارها، خاصةً لدى الأطفال. قد يكون ذلك تأخرًا أو غيابًا تامًا للغة، مما قد يؤدي إلى اضطرابات سلوكية أو التسرب المدرسي أو الفشل الدراسي. وهذا يحدث لدى أطفال يتمتعون بقدرات ذهنية وسلوكية وعلاقات اجتماعية تفوق المعدل، بل وفي بعض الأحيان تكون استثنائية تعوض عن ضعفهم السمعي.
أما عند البالغين، فعلى الرغم من أن التشخيص يكون سهلًا، إلا أن الآثار ليست أقل أهمية، إذ إن حياة العديد من الصم المهنية والشخصية قد دُمرت بسبب ظهور هذه الإعاقة وعدم إعادة تأهيلها.
من الناحية المهنية، فإن معظم أصحاب العمل غير مدركين لهذه الإعاقة وآثارها على جودة العمل والتواصل داخل الشركة. وهناك من لا يطبق حتى القواعد الوقائية للصمم المهني في بيئات العمل الصاخبة، مما يضر بالسمع الطبيعي. في حين ينبغي تطبيق المعايير بشكل صارم، لأن صاحب العمل هو من يتحمل المسؤولية ويعوض الضرر الوظيفي السمعي.
من الناحية الشخصية، يعد الصمم مصدرًا للعزلة وسوء الفهم وفقدان الثقة المتبادلة، وللأسف أحيانًا يتعرض الصم للتنمر من قبل بعض أفراد المجتمع الذين لا يفهمون هذا الوضع ولا يتعاطفون مع الصم. كل هذا يدفع بالفرد إلى الاكتئاب الذي يهدد حياته الزوجية والعائلية والاجتماعية والمهنية بسبب تراكم سوء الفهم والغياب التام للتواصل. وهذا ما يطلق عليه عادةً “حديث الصم”.
أحلم بأن لا يكون الصم في بلدي مصدرًا لسوء الفهم، وأن يكون لديهم الفرصة ليصبحوا أعضاء نشطين ومنتجين في مجتمعنا المغربي، وليس عبئًا على محيطهم، وخاصةً على أسرهم الذين يبقون معتمدين عليهم إلى الأبد. خصوصًا في مجتمع مثل مجتمعنا، حيث لا تزال المساعدة المقدمة للأشخاص ذوي الإعاقة في مرحلة الطفولة.
هذا لم يعد حلمًا في دول أخرى، بل أصبح ممكنًا من خلال تأهيل الصمم باستخدام السماعات التقليدية أو التدخلات الجراحية التي تزرع غرسات قوقعة الأذن. صحيح أن هذه العمليات باهظة الثمن (حوالي 200 ألف درهم، وهو ثمن شقة اقتصادية في المغرب)، ولكن كيف يمكن تقدير ثمن تأهيل الصمم؟ هذا التأهيل يجعل الشخص الأصم عضوًا مندمجًا مع السامعين الطبيعيين، منتجًا ومساهمًا في الاقتصاد الوطني، ومندمجًا في المجتمع وغير معزول، يعيش بين الصم والبكم: “هذا ببساطة ليس له ثمن.”
لكن تكلفة إعادة التأهيل السمعي بزرع القوقعة لا تتوقف عند هذا الحد. لتحقيق النتائج المرجوة، يتطلب الأمر متابعة ملائمة، وإعدادات وصيانة، وتعليم سمعي ولغوي، وكذلك تكييف البرامج التعليمية.
“هل لدينا برامج تعليمية تلبي احتياجات السامعين حتى نتمكن من الأمل في توفيرها للصم؟” كان هذا تعليقًا خلال إحدى النقاشات! ربما تكون البرامج التعليمية للصم هي التي ستعيد تأهيل برامج السامعين في بلادنا.
هذا يذكرني بمدرسة ابتدائية وثانوية إسبانية في مدريد التي زرناها مؤخرًا في إطار أنشطة الجمعية المغربية لمزروعي قوقعة الأذن (AICM). هذه المدرسة النموذجية في العالم، تدمج الأطفال الصم المؤهلين في فصول السامعين الطبيعيين. يحقق الأطفال الصم في هذه المدرسة نفس نتائج السامعين على المستوى الوطني، والطلاب الآخرون يتفوقون.
في الدار البيضاء، التقيت بأحد طلاب الهندسة الذي أصيب بالصمم قبل يوم من امتحانات البكالوريا. تم تأهيله بفضل غرسة قوقعة قدمها له جراح كريم بمساعدة محسنين. حلمه اليوم هو إنتاج غرسة قوقعة بأسعار أكثر ملاءمة للمغاربة. من يدري؟ ربما قريبًا في درب غلف!
سأستمر في الحلم بأن الصم في المغرب من جميع الأعمار والطبقات الاجتماعية والاقتصادية سيتم العناية بهم بشكل صحيح. على الأقل الحلم مجاني. لن يأخذ مني أحد قناعتي بأن ذلك سيتحقق يومًا ما، ولو جزئيًا، إذا عملنا معًا ضد الصمم. وهذا هو شعار الجمعية المغربية لمزروعي قوقعة الأذن (AICM)، جمعية حديثة تستحق التشجيع.