يعدّ الصمم إحدى التشوّهات الخلقية الأكثر شيوعًا عند الولادة، حيث تُقدّر منظمة الصحة العالمية نسبتها بحالة واحدة من بين كل 1000 ولادة حية. وقد يؤدي عدم تشخيص الصمم الثنائي في سن مبكر إلى تأخر في اكتساب اللغة والنمو المعرفي، مما قد يُخلف آثارًا دائمة.
ويُتيح الكشف المبكر خلال الفترة الوليدية التدخل السريع والعلاج المناسب.
تلعب الانبعاثات الصوتية الأذنية دورًا أساسيًا في مراقبة وتشخيص صحة السمع. فهذه الانبعاثات التي يتم توليدها من قبل الخلايا الشعرية الخارجية في قوقعة الأذن، تشير إلى سلامة وظائف هذه الخلايا. ويُعدّ تسجيلها اختبارًا أساسيًا في الفحوصات الوظيفية للأذن والأنف والحنجرة، خاصة للكشف عن فقدان السمع عند حديثي الولادة أو لمتابعة الأشخاص المعرّضين للخطر.
ما هي الانبعاثات الصوتية الأذنية؟
الانبعاثات الصوتية الأذنية المعروفة اختصارًا بـ OAE، هي أصوات خافتة تُنتَج في الأذن الداخلية من قبل الخلايا الشعرية الخارجية، إما تلقائيًا أو استجابةً لمحفز صوتي، ويمكن قياسها باستخدام ميكروفون خاص يوضع في قناة الأذن.
أنواع الانبعاثات الصوتية الأذنية
- الانبعاثات الصوتية التلقائية (SOAE):
هي أصوات ضعيفة تُنتج تلقائيًا من الأذن الداخلية دون أي محفز خارجي. ولكن لا تظهر إلا لدى 30 إلى 50٪ من الأشخاص ذوي السمع الطبيعي، مما يحدّ من أهميتها في التشخيص السريري. - الانبعاثات الصوتية المُثارة (EOAE):
يتم تسجيلها بعد تحفيز الأذن بأصوات قصيرة تُرسل عبر مسبار خاص. - انبعاثات ناتجة عن تشوّه الترددات (DPOAE):
تُستَحث عند إرسال صوتين نقيين بترددين مختلفين في نفس الوقت، فتُنتج القوقعة صوتًا ثالثًا، يُستخدم لتحديد التردد المتأثر بدقة.
كيف يتم قياس هذه الانبعاثات؟
يُعتبر قياس الانبعاثات الصوتية الأذنية إجراءً موضوعيًا غير جراحي وغير مؤلم. توضع مجسّة صغيرة في القناة السمعية الخارجية، تحتوي على مكبّر صوت يُصدر نبضات صوتية قصيرة، وميكروفون يسجّل الاستجابة من الأذن الداخلية. يتم ربط الجهاز بحاسوب صغير لتحليل النتائج.
يستغرق الفحص عدة دقائق فقط 15 إلى 20 دقيقة للأذنين، ويمكن إجراؤه للبالغين أو الأطفال وهم نائمون أو هادئون. يُستخدم بشكل شائع في المستشفيات والمصحات عند الولادة.
النتائج تظهر عادة بصيغة ثنائية:
- “نجح” (Pass): يدلّ على وجود الانبعاثات وسلامة الأذن الخارجية والوسطى والداخلية.
- “أعد المحاولة” (Refer): عدم وجود انبعاثات، ما يستدعي إجراء فحوص إضافية.
التطبيقات السريرية للانبعاثات الصوتية في طب الأنف والأذن والحنجرة
- الكشف السمعي لدى حديثي الولادة:
يُعتبر من أهم استخدامات هذه التقنية، إذ يشير وجود الانبعاثات إلى أن مستوى السمع أفضل من 30-35 ديسيبيل ويُوصى بإجراء الفحص بين اليوم الثالث والرابع بعد الولادة، مع التشخيص النهائي قبل سن 3 أشهر، أو 6 أشهر كحد أقصى، لضمان التدخل المبكر والملائم. - تشخيص الصمم بشكل موضوعي:
غياب الانبعاثات الصوتية المثارة يُشير إلى فقدان سمع يتجاوز 25-35 ديسيبيل.
- مراقبة الحالات المعرّضة للخطر ومتابعة تأثير الأدوية السامة للأذن:
تُستخدم الانبعاثات، وخاصة تلك الناتجة عن التشوه الترددي، للكشف المبكر عن تلف السمع قبل أن يُلاحظ المريض الأعراض، مثلًا بعد التعرض لضوضاء أو أدوية سامة للأذن.
حدود هذا الفحص
لا يعني غياب الانبعاثات بالضرورة وجود صمم. فقد تكون هناك عوامل تشويش، مثل:
- وجود شمع الأذن أو بقايا ولادية) فيرنيكس(
- التهابات في الأذن الوسطى
- حركة الطفل أو الضوضاء أثناء الفحص
كذلك، لا يمكن تسجيل هذه الانبعاثات إذا كانت درجة فقدان السمع تتجاوز 30-35 ديسيبيل.
آفاق استخدام الانبعاثات الصوتية الأذنية في المغرب
يمثّل إنشاء برنامج وطني شامل للكشف المبكر عن الصمم داخل المستشفيات والمصحات خطوة ضرورية، لا سيما إذا دُعّم بقاعدة بيانات مركزية تتيح المتابعة الدقيقة.
كما أن توعية العاملين في مجال الصحة والأسر بأهمية الكشف المبكر والتدخّل السريع سيعزّز من فعالية هذه البرامج.
وتستمر الأبحاث لتطوير تقنيات القياس وتحسين دقة التشخيص، مما قد يفتح آفاقًا جديدة للعلاج والمراقبة الفعّالة لمشاكل السمع.
الخلاصة
تُعدّ تقنية الانبعاثات الصوتية الأذنية المثارة (OEAP) أداة موضوعية ممتازة للكشف المبكر عن الصمم لدى حديثي الولادة في المغرب، لما تمتاز به من سرعة التنفيذ، وعدم التداخل، وحساسية تتجاوز 80٪ للكشف عن فقدان السمع بدءًا من 30 ديسيبيل، وخصوصية عالية تقارب 95٪.
كما يمكن اعتمادها لمتابعة المرضى المعرّضين لفقدان السمع نتيجة الضوضاء المهنية أو الأدوية السامة للأذن.
لكن تبقى دقة الفحص رهينة بالتنفيذ السليم، والتقييم السريري المناسب، وأخذ حدود التقنية بعين الاعتبار.