الملخص
تُعد الجراحة عبر الأنف اليوم في المغرب تقنية مرجعية في طب الأنف والأذن والحنجرة لعلاج أمراض الأنف والجيوب الأنفية وبعض إصابات قاعدة الجمجمة. وتعتمد هذه التقنية على استخدام المنظار الصلب الذي يتيح الوصول إلى المناطق المصابة بطريقة طفيفة التوغل عبر الممرات الأنفية. تسهم هذه المقاربة في تحسين الدقة الجراحية والتعافي بعد الجراحة وجودة حياة المرضى. يهدف هذا المقال إلى استعراض المؤشرات الشائعة لاستخدام هذه التقنية، والأساليب المعتمدة، وآفاق تطورها في المستقبل.
مقدمة
تُعرف الجراحة عبر الأنف أيضًا باسم الجراحة التنظيرية للأنف والجيوب الأنفية، وقد أصبحت في المغرب تقنية مرجعية عوضت العمليات التقليدية الأكثر توغلًا. لقد غيّر تطور تقنيات التنظير طريقة التعامل مع أمراض الأنف والجيوب الأنفية في طب الأنف والأذن والحنجرة. وتتيح هذه التقنية حاليًا الوصول الدقيق إلى الجيوب المجاورة للأنف، وقاعدة الجمجمة الأمامية، وأحيانًا إلى هياكل أعمق، مع تقليل الضرر الجراحي إلى أدنى حد.
تشريح التجاويف الأنفية والجيوب
يتكون الأنف من العظام والغضاريف والعضلات والأغشية المخاطية. ويتألف من الهرم الأنفي الخارجي وتجويفين داخليين (أيمن وأيسر) يفصل بينهما حاجز عمودي يُسمى الحاجز الأنفي.
يقوم الأنف بعدة وظائف حيوية، منها:
- تدفئة وترطيب الهواء المستنشق عبر القرينات الأنفية التي تعمل كـ”مشعات حرارية”.
- تنقية الهواء من الشوائب والميكروبات.
- المساهمة في رنين الصوت وجودة النطق.
- لعب دور في حاسة الشم.
الجيوب الأنفية هي تجاويف مملوءة بالهواء تقع داخل عظام الوجه والجمجمة وتتصل بالأنف. وتشمل:
- الجيوب الجبهية (في الجبهة)
- الجيوب الفكية (تحت العينين)
- الجيوب الغربالية (بين العينين)
- الجيوب الوتدية (خلف العينين)
تُبطن هذه الجيوب بغشاء مخاطي رقيق يفرز المخاط الذي يلتقط الجراثيم ويُصرف إلى الأنف عبر فتحات صغيرة تُسمى “أوستيا”.
أمراض الأنف والجيوب الأنفية
نظرًا لموقعه البارز، فإن الأنف معرض للإصابات والكسور والالتهابات الحادة أو المزمنة. ويمكن أن تنتقل هذه الالتهابات إلى الجيوب الأنفية، وهو ما يُعرف بالتهاب الأنف والجيوب (Rhinosinusitis). كما قد تظهر فيه نزيف، زوائد لحمية أو أورام.
أهم المؤشرات الشائعة للجراحة عبر الأنف في الممارسة الطبية بالمغرب تشمل:
- التهاب الجيوب الأنفية المزمن المقاوم للعلاج الدوائي
- انحراف الحاجز الأنفي
- تضخم القرينات السفلية
- داء الزوائد الأنفية
- الأورام الحميدة في الأنف والجيوب
- جراحة القناة الدمعية (DCR)
- ناسور السائل الدماغي الشوكي
- أورام قاعدة الجمجمة بالتعاون مع جراحي الأعصاب
سير العملية الجراحية عبر الأنف
تُجرى جراحة الأنف التنظيرية تحت التخدير العام باستخدام منظار صلب يتم إدخاله عبر فتحتي الأنف دون أي شق خارجي. يتصل المنظار بكاميرا توفر للجراح رؤية دقيقة ومكبرة لمنطقة العمل.
تُعد هذه التقنية أقل توغلًا من الجراحة التقليدية ولا تترك ندوبًا ظاهرية.
- أمثلة على الإجراءات الممكنة:
- فتح المجرى المتوسط أو الجيب الوتدي
- استئصال الخلايا الغربالية
- تخفيف ضغط الحجاج عبر الأنف
- استئصال أورام حميدة
- ترميم الفتحات بين العظم والأم الجافية
في الحالات المعقدة أو الجراحات المتكررة، يُستخدم التوجيه الجراحي ثلاثي الأبعاد لزيادة الدقة والسلامة.
أمثلة على الجراحات التنظيرية الشائعة
رأب الحاجز الأنفي (Septoplastie):
تُستخدم لتصحيح انحراف الحاجز الأنفي الذي قد يُسبب انسدادًا مزمنًا، أو التهابات متكررة، أو مشاكل في التنفس. تُجرى العملية عبر شق داخلي دون ندبة خارجية، وتتطلب إقامة قصيرة في المستشفى.
استئصال القرينات (Turbinectomie):
موجهة للمرضى الذين يعانون من تضخم مزمن في القرينات السفلية المرتبط بالتهاب الأنف التحسسي، وتُساعد في تحسين التهوية الأنفية.
جراحة الجيوب (Méatotomie):
تُستهدف حالات مثل انسداد الأنف المزمن، التهاب الجيوب المتكرر، وجود الزوائد الأنفية، فقدان الشم، الصداع الناجم عن الجيوب، الشخير الناتج عن انسداد أنفي، أو وجود أجسام غريبة مثل مواد طب الأسنان داخل الجيوب.
جراحة الكيس الدمعي عبر الأنف (DCR):
تُستخدم لعلاج الدموع المزمنة أو التهابات الكيس الدمعي. تُجرى عبر الأنف لتجنب الندوب الوجهية، وتتيح تصريف الدموع بشكل طبيعي.
مزايا الجراحة عبر الأنف
- دقة عالية بفضل الرؤية المكبرة
- تقليل الأضرار الجراحية
- قلة احتمالات العدوى
- تعافٍ أسرع ومدة إقامة أقصر بالمستشفى
- تحسين جودة الحياة والوظائف الأنفية (الشم، التنفس)
الحدود والمضاعفات المحتملة
رغم مزاياها، لا تخلو الجراحة عبر الأنف من بعض المخاطر مثل:
- إصابات في محجر العين (نادرة)
- تسرب السائل الدماغي الشوكي
- التهابات داخل الجمجمة (نادرة جدًا)
- نزيف (نادراً ما يكون غزيرًا)
الوقاية تعتمد على إتقان التشريح والتمييز الدقيق للهياكل الحرجة.
الآفاق المستقبلية
يعتمد تطور هذه الجراحة في المغرب على:
- تحسين أنظمة التوجيه الجراحي ثلاثي الأبعاد
- إدخال الواقع المعزز أثناء الجراحة
- استخدام الذكاء الاصطناعي للتعرف التلقائي على الهياكل التشريحية
- التكامل بين مختلف التخصصات (الأنف والأذن، العيون، جراحة الأعصاب)
الخاتمة
لقد أصبحت الجراحة عبر الأنف ركيزة أساسية في جراحة الأنف والأذن والحنجرة الحديثة بالمغرب، لما توفره من حلول علاجية دقيقة وفعالة وأقل توغلًا. ويُعد التمكن التقني والابتكار المستمر أساسًا لتحقيق أفضل النتائج الوظيفية والجراحية في هذا المجال المتطور باستمرار.